الكيمياء عند العرب
منذ نهاية القرن الثاني الهجري حتى نهاية القرن الرابع، نشطت حركة النقل والترجمة في الأقطار الإسلامية ولا سيما في بغداد مقر الخلافة العباسية، وقد عهد إلى المترجمين بنقل أهم المؤلفات اليونانية إلى العربية والتوفيق بينها وبين متطلبات الحضارة الفكرية الإسلامية، وذلك في علوم اعتبرها العرب ذات أهمية وفائدة كالكيمياء مثلاً.
كانت تلك الخطوة الأولى التي خطاها العرب المسلمون في نقل وترجمة تراث اليونان إلى لغتهم الضاد.
وأخذت هذه الخطوة ترتقي تباعاً عند العلماء المسلمين، فلم يعودوا مجرد نقلة، بل ناقشوا مبادئ هذا العلم، فطرحوا زائفه وأضافوا إليه مبتكرات جديدة يمكن اعتبارها أساساً قوياً في دعم هذا العلم،
يقول درابر:
"إنّ المسلمين هم الذين أنشأوا في العلوم العملية: علم الكيمياء، وكشفوا بعض أجزائها المهمة، من إختراعاتهم "ماء الفضة" حامض النيتريك، وزيت الزاج (حامض الكبريتيك) وماء الذهب (حامض النيتروهيدروكلوريك) وحجر جهنم (نترات الفضة) والسليماني (كلوريد الزئبق) والراسب الأحمر (أوكسيد الزئبق) وملح البارود (كربونات البوتاسيوم) والزاج الأخضر (كبريتات الحديد)، وهم الذين اكتشفوا الكحول والبوتاس وروح النشادر والزرنيخ والإثمد والقلويات
وهم الذين استخدموا ذلك العلم في المعالجات الطبية وصنع العقاقير، فكانوا أول من نشر تركيب الأدوية والمستحضرات المعدنية وتنقية المعادن وغير ذلك من المركبات والمكتشفات التي تقوم عليها معظم المصنوعات الحديثة كالصابون والورق والحرير والأصباغ، ودبغ الجلود واستخراج الروائح العطرية، وصنع الفولاذ وصقل المعادن، واعتمدوا في كل هذا على تجاربهم باستخدام آلات عديدة ووسائل كيمياوية مثل الإنبيق والميزان."
لقد عالج كثير من العلماء المسلمين علم الكيمياء، ومنهم الإمام جعفر الصادق الذي ذكرت له رسالة في علم الصناعة والحجر، والكندي الذي مارس الصنعة وله فيها "كيمياء العطر" "تلوين الزجاج" وأبو بكر الرازي صاحب "الأسرار" و"سر الأسرار" و"صناعة الكيمياء أقرب إلى الوجود منها إلى الإمتناع" ويستدل من كلامه أنه كان يتطلع إلى تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وفضة كي ينشر الخير بين الناس.
والفارابي الذي عالج قضية المعادن السبعة (الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والقصدير والخارصين)، وقال إنها نوع واحد، وإن اختلافها إنما هو بالكيفيات والرطوبة واليبوسة واللين والصلابة.
والمجريطي الذي يعتبر أحد رواد هذه الصناعة في المغرب العربي والمعروف بكتابه "غاية الحكيم"، وقد عرف علم الكيمياء جمهرة غفيرة من العلماء بسطوا آراءهم في مصنفاتهم، ولا يتسع مقام الإختصار للإحاطة بهم.
لقد أعطى العلماء المسلمون علم الكيمياء أصالة البحث العلمي فكانوا أول من حقق هذا النصر العلمي الباهر، ويتفق علماء الكيمياء على وجه البسيطة على أن علماء العرب هم مؤسسو الكيمياء كعلم يعتمد على التجربة.
وفي الواقع فإنّ علماء المسلمين هم الذين أوجدوا من علم الكيمياء منهجاً استقرائياً سليماً يستند على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية، لأنها قوام علم الكيمياء وليس القياس كما هو معهود في العلوم البحتة، لذا نجد أن المعرفة الواضحة غير المشوبة بشيء من الغموض لا يمكن أن نحصل عليها دون الاعتماد على التجربة والاستقراء.
لقد نهل العلماء المسلمون من المصادر المصرية والبابلية واليونانية والفارسية والهندية وغيرها، ولكنهم أبعدوا أنفسهم عن الغموض، واعتمدوا على الحقائق العلمية ودعموها بالتجربة، ولذا نجدهم أبعد الناس عن الخيال والخرافة اللذين كانا سائدين في حضارات العالم الأخرى. كما نجدهم أرسوا قواعد الكيمياء ولم يقبلوا شيئاً كحقيقة ما لم تثبته المشاهدة أو تحققه التجربة العلمية.
عباقرة الكيمياء
خالد بن يزيد ــــ 90هــ
الإمام جعفر الصادق 80 ــــ 149هـ
الرازي 250 ــــ 149هـ
جابر بن حيان ــــ 200هـ
أبو المنصور الموفق بن علي القرن الرابع الهجري
عباقرة الكيمياء
المجريطي 338 ــــ 398هـ
الطغرائي 453 ــــ 515هـ
العراقي السماوي 085هـ
الجلدكي القرن الثامن الهجري
جابر بن حيَّان
102 ــــ 200هـ
جابر بن حيّان بن عبد الله الكوفي، أبو موسى، كان يعرف بالصوفي، من أهل الكوفة، فيلسوف كيميائي.
يعتبر جابر كيمويّ العرب الأول، فهو أول من أُشهر علم الكيمياء عنه.
أما أهم مؤلفات جابر التي عرفت:
ــــ كتاب التركيب (أو التراكيب).
ــــ كتاب المجردات، ذكره جابر في المقالة 33 من كتابه "الخواص الكبير". وهو يقول عنه: "إنا جردنا فيه جميع الأبواب التي ذكرناها في المائة والاثني عشر كتاباً، ومبلغ الأبواب التي فيه خمسة آلاف باب، وهو قاعدة كتبنا المائة والاثني عشر، ربه تتمّ وتصحّ أبواب المائة والاثني عشر كتاباً، فاطلبه واعمل بما فيه فهو في غاية الحسن والشرف لمن علم.. فأما لمن جهل فمشقة وتعب وحسرة". ويقول عنه أيضاً: "فما لَكَ كتاب مثله في فك الرموز المستعصية.. وهو من أمهات كتبنا التي لا يسع لأحد أن يجهله".
كتاب الموازين; كتاب الزئبق; كتاب خواص إكسير الذهب.
كان جابر بن حيان على رأس المثبتين لعلم الكيمياء بالقول والفعل معاً، وكان أول من اشتهر عنه هذا العلم. فهو يتساءل في عجب: كيف يظن العجز بالعلم دون الوصول إلى الطبيعة وأسرارها؟ ألم يكن في مستطاع العلم أن يجاوز الطبيعة إلى ما وراءها؟ فهل يعجز عن استخراج كوامن الطبيعة ما قد تثبت قدرته على استخراج السِرّ مما هو مستور وراء حجبها؟ ويقول مستدركاً: "إننا لا نطالب من لا علم له بالتصدي للكيمياء، بل نطلب ذلك من ذوي العلم الذين استوفوا أركان البحث".
كان لجابر بن حيان منهج تجريبي يصطنعه في بحوثه الكيمياوية، فهو حريص على أن يقصر نفسه على مشاهداته التي تجيء التجربة مؤيدة لها، إذ قد تكون الظاهرة المشاهدة حدثاً عابراً لا يدل على إطراد في الطبيعة، فلنسمعه يقول في رسم خطته العلمية: "يجب أن تعلم أنا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط ــــ دون ما سمعناه أو قيل لنا وقرأناه ــــ بعد أن امتحنّاه وجرّبناه، فما صح أوردناه وما بطل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضاً وقايسناه على أقوال هؤلاء القوم".
ويقول جابر إن المعادن الرئيسية سبعة: الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والزيبق والأسرب، وهي التي تكوّن قانون الصنعة، أي إن عليها تتوقف قوانين علم الكيمياء غير أن هذه المعادن السبعة نفسها قد تكونت في جوف الأرض من معدنين أساسيين هما الكبريت والزيبق، فهذان المعدنان إذ يمتزجان بنسب مختلفة يتكون منهما بقية المعادن المذكورة. وقد تسمى بالأحجار السبعة، فنظرية جابر هي أن كل معدن من هذه المعادن يُظهر في خارجه كيفيتين من الكيفيات البسيطة الأربع "الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة" ويخفي في باطنه الكيفيتين الأخريين، وبالكيمياء نستطيع إظهار الباطن وإخفاء الظاهر، فيتحول المعدن القائم معدناً آخر.
أبو المنصور الموفقّ بن علي
القرن الرابع الهجري
جاء في كتاب "المسلمون في العلم الحديث" لعبد الرزاق نوفل: "أبو منصور الموفق أول عالم كيميائي وضع الكيمياء في خدمة أغراض الإنسان، فكان يجري تجاربه لاستنباط المواد التي تلزم الإنسان في استعمالاته، فتمكن من تحضير مادة قوامها الجير الحي لتنظيف الجلد من الشعر واكتسابه بريقاً ولوناً يميل إلى الإحمرار، ونصح بتسخين النحاس المؤكسد بشدة لينتج مادة سوداء يستعملها الإنسان ليكسب شعر رأسه لوناً أسود لامعاً، ثم توج اكتشافه بمادة لاحمة للعظام تستعمل في معالجة الكسور، وذلك بتسخين كبريتات الكالسيوم ومزج الناتج بزلال البيض".
وقد استفاد الموفق من تجاربه وابتكاراته الكيمياوية أفضل استفادة من الناحيتين المادية والاجتماعية، فقد كان جلداً على الدرس والتدقيق والتمحيص، وكان إذا توصل إلى تحضير دواء يمكن استخدامه في الحياة اليومية، يسارع إلى إنزاله في الأسواق ليقبل عليه الناس فيربح من بيعه كثيراً ويشتري بذلك آلات وأدوات ومواد جديدة تساعده في بحوثه وتجاربه الجديدة، وقد جاء في بحث لأحمد شوكت الشطي ما نصه: "وعرف من كيماويي العرب أيضاً أبو المنصور الموفق الذي كان يحضر العقاقير ويبيعها، وكانت كتبه تنطق بسعة علمه بالكيمياء العملية ولهذا يمكن اعتبار الموفق مؤسس الكيمياء الصناعية، لأنه كان يصب اهتمامه على تحضير المواد التي يمكن تسويقها وبيعها للناس بعد معرفة فوائدها وسلامتها".
المجريطي
338 ــــ 398هـ
مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي، أبو القاسم، ولد في مجريط (مدريد) عام 338هـ، ولكنه انتقل إلى قرطبة حيث توفي هناك عام 398هـ. اهتم بالكيمياء فكتب كتابين في هذا الحقل أصبحا مرجعين أساسيين لعلماء الشرق والغرب وهما "رتبة الحكيم" و"غاية الحكيم". ويذكر أن كتابه "غاية الحكيم" في الكيمياء ترجم بأمر من الملك الفونسو تحت عنوان ٌPicatrixٍ والجدير بالذكر أن كتابه "رتبة الحكيم" هو كتاب تكلم فيه عن السيمياء والكيمياء وفرّق بينهما.
فالكيمياء هي معرفة الأرواح الأرضية وإخراج لطائفها للانتفاع بها، والسيمياء هي معرفة الأرواح العلوية واستخراج قواها للانتفاع بها. وقد ورد في هذا الكتاب ذكر لتحضير أوكسيد الزئبق بالحرارة، وتنقية الذهب من الفضة بحمض الأزوت.
حرّر المجريطي علم الكيمياء من الخرافات التي لصقت به، ومن السحر والطلسمات التي كانت مسيطرة عليها عهدئذٍ، وقد جهد بكل نشاط أن يبرز هذا العلم على أنه علم شريف، وهو أحسن علم يصبو إليه طالب العلم.
يقول أبو القاسم المجريطي: "لا يجوز لأي رجل أن يدعي العلم إذا لم يكن ملمًّا بالكيمياء، وطالب الكيمياء يجب أن تتوفر فيه شروط معينة لا ينجح بدونها، إذ يلزمه أن يتثقف أولاً في الرياضة بقراءة إقليدس، وفي الفلك بقراءة المجسطي لبطليموس، وفي العلوم الطبيعية بقراءة أرسطو، ثم ينتقل إلى كتب جابر بن حيان والرازي ليتفهمها، وبعد أن يكون قد اكتسب المبادئ الأساسية للعلوم الطبيعية يجب عليه أن يدرب يديه على إجراء التجارب، وعينيه في ملاحظة المواد الكيمياوية وتفاعلاتها، وعقله على التفكير فيها".
اخوكم/ البرفسور